وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ

مسائل الأمر الأصولية [5]: أدلة المذهب الأول: مذهب کون صيغة افعل للوجوب.

1113 مشاهدة

تمت الإضافة بتاريخ 2021/04/26

أدلة هذا المذهب تعددت(1) مآخذها، فقد اجتلبت من القرآن الكريم ومن السنة، والاستعمال العرفي العام، واللغة، والإجماع.
 
ومن "القرآن الكريم":
 
مما يدل على أن صيغة «افعل» للوجوب على مذهبهم: {أفعصيت أمري} [طه:93].
 
و{ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} [الأعراف:12] وجه الاستدلال بالآية الأولى أن المعصية إنما لزمت المأمور لأجل إخلاله بما أمر به .
 
ووجه الاستدلال بالآية الثانية أن هذا خارج مخرج الذم والاستبطاء لإبليس، وأنه لا عذر له ولا رخصة في إخلاله بالسجود مع أمره به.
 
{أقيموا الصلاة} ووجه الاستدلال بهذه الآية أن المسلمين أجمعوا على أن الله عز وجل أوجب علينا الصلاة بهذا القول، وأجمعوا على أن ذلك ليس بمجاز.
 
{وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} [المرسلات:48] ووجه الاستدلال بهذه الآية أنهم ذُمُّوا على تركهم ما قيل لهم افعلوه. ولو كان الأمر يقتضي الندب لم يذمهم على ترك المأمور به.
 
{لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم کدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور:63] ووجه الاستدلال بهذه الآية أن الله عز وجل حذر من مخالفة أمر نبيه، وتوعد عليه، ومخالفة أمره هو الإخلال بما أمر به فوجب کون الإخلال بما أمر به محظورا.
 
{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء:65] ووجه الاستدلال بهذه الآية أنه وجب التسليم - بمقتضاها - لما قضاه الرسول صلى الله عليه. والقضاء هو الأمر - على رأي أبي الحسن البصري -.
 
{ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا} [الأحزاب:36] {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم} [الجن:23] ووجه الاستدلال بهاتين الآيتين أنهما يصح التعلق بهما - التمسك بهما - في وجوب أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، لو ثبت أن من لم يفعل مأمورها عاص للنبي صلى الله عليه وسلم.
 
{لا يعصون الله ما أمرهم} [التحريم:6] {ولا أعصِي لك أمرًا} [الكهف:69] ووجه الاستدلال بهاتين الآيتين وصف المخالف بالعصيان كما سبق.
 
ومن السنة:
 
قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"(2). ووجه الاستدلال بهذا الحديث أنه لو كان الأمر بالشيء لا يقتضي إلا ندبا لم يكن في هذا الكلام فائدة، لأن السواك قد كان ندبًا قبل هذا الكلام.
 
وروي أن أبا سعيد الخدري(3) دعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يجبه، لأنه كان في الصلاة فقال: ما منعك أن تستجيب؟ وقد سمعت قول الله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول ...} [الأنفال:24]. فلامه على ترك الاستجابة مع أن الله أمر بها، فدل على أن الأمر للوجوب.
 
وروي أن رجلا قال: "يا رسول الله أحجتنا هذه لعامنا، أم للأبد؟ فقال: لو قلتُ نعم لوجبت؛ ولما استطعتم"(4). ووجه الاستدلال بهذا الحديث أنه أخبره أن وجوبها متعلق بقوله.
 
ومن الإجماع:
 
أن المسلمين كانوا يرجعون إلى كتاب الله وسنة رسوله في الأحكام. ولم يسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بعض أوامره ما الذي عناه به.
 
وأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه استدل على وجوب الزكاة على أهل الردة بقوله تعالى: {وءاتوا الزكاة} [البقرة:43]. ولم ينكر عليه أحد في هذا الاستدلال.
وأن الصحابة كانت حين تسمع الأمر من الكتاب والسنة تحمله على الوجوب، فدل على أنها كانت تحمل الأوامر على الوجوب.
 
ومن اللغة:
 
قول حباب بن المنذر(5) ليزيد بن المهذب أمير العراق وخراسان:
 
أمرتك أمرا جازما فعصيتني ** فأصبحت مسلوب الإرادة نادما
 
ووجه الاستدلال بهذا البيت أنه عقب المعصية على الأمر بلفظ الفاء؛ فدل على أن المعصية إنما لزمت المأمور لأجل إخلاله بما أمر به، وأن لتقدم الأمر في استحقاق هذا الاسم تأثيرًا، كما أن قولهم: "إذا دخل زيد الدار فأعطه درهما" يفيد أن لتقدم الدخول تأثيرا في استحقاق العطية.
 
ويمكن الاستدلال – بهذا الاعتبار – بكل كلام ارتبط العصيان فيه بالأمر، سواء كان نثرا أو شعرا.
 
ومن الاستعمال العرفي العام - أو من جهة العقل كما قال الشوكاني والآمدي – أن العبد إذا لم يفعل ما أمره به سيده؛ اقتصر العقلاء من أهل اللغة في تعليل حسن ذمه أن يقولوا: أمره سيده بكذا فلم يفعله، فدل كون ذلك علة في حسن ذمه، على أن تركه لما أمر به ترك لواجب.
 
وأن الإيجاب معقول لأهل اللغة، وتمسهم الحاجة إلى العبارة عنه، فلو لم يفده الأمر؛ لم يكن له لفظ.
 
وأن الأمر بالشيء نهي عن ضده والإخلال به، والنهي يقتضي حظر المنهي عنه؛ فوجب حظر الإخلال بالمأمور به، وفي ذلك وجوب المأمور به.
 
وأن الأحوط هو الحمل على الوجوب، والأخذ بالأحوط واجب، وأن الوجوب أعم فوائد «افعل» لأنه يدخل تحته الحسن والمندوب إليه، واللفظ يجب حمله على أتم فوائده(6).
 
هذا بعض ما استدل به على أن صيغة «افعل» حقيقة في الوجوب ولا تخرج عنه إلا بقرينة صارفة عنه. وستناقش هذه الأدلة ممن لا يقبلون هذا الرأي، ولا يسلكون هذا المذهب، ومن الإنصاف القول بأن جميع ما سيستدل به من يخالفون هذا المذهب؛ لا يرقى إلى درجة ما بني عليه هذا المذهب، مع ما للآخرين من أهل المذاهب الأخرى من وجوه نظر عميقة، وتأويلات موضوعية مفيدة.
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ساق أبو الحسين في المعتمد ثلاثة وعشرين دليلا، قال الآمدي: "ذكر أبو الحسين في ذلك ما يناهز ثلاثين شبهة دائرة بين غث وثمين (لعله وسمین) [الإحكام (1/212)].
 
2) رواه البخاري ومسلم كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا، ومسلم وأصحاب السنن وأحمد، وفيه عند كل صلاة.
 
3) وفي تفسير البيضاوي "أنوار التنزيل، وأسرار التأويل": روي أنه عليه السلام مر على أبي سعيد الخدري وهو يصلي فدعاه فعجل في صلاته ثم جاء فقال ما منعت عن إجابتي؟ قال: كنت أصلي. قال: ألم تخبر فيما أوحي إلي: {استجيبوا لله والرسول} [الأنفال:24].
 
4) والذي في المعتمد (1/66) "بل لعامكم فقط، ولو قلت نعم لوجبت" فانظر هل يوجد هذا اللفظ في هذا الحديث، وما معناه؟!. وفي فقه السنة للشيخ السيد سابق: "فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله فقال: يا أيها الناس إن الله كتب الحج فحجوا. فقام رجل فقال: أكل عام یا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا ثم قال: لو قلت: نعم لوجبت ولما استطعتم ..." رواه البخاري ومسلم.
 
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فقال: يا أيها الناس کتب علیکم الحج، فقام الأقرع بن حابس فقال أفي كل عام يا رسول الله فقال: لو قلتها لوجبت، ولو وجبت لم تعملوا بها، ولم تستطيعوا، الحج مرة فمن زاد فهو تطوع". رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وصححه (1/444).
 
5) هكذا نسب هذا البيت لحباب بن المنذر في "المحصول" كما سبق نقله عنه، فإن كان المراد بحباب بن المنذر الصحابي الجليل المعدود من الشجعان الشعراء؛ فإنه حسبما جاء في الأعلام للزركلي أنه توفي سنة 20هـ، ويزيد بن المهلب ولد 35هـ فكيف يمكن هذا؟ وإن كان المراد غيره فمن هو؟
 
6) انظر المعتمد (50-1/69)، والإحكام للآمدي (212-2/217)

شارك على:

إضافة تعليق

أوقات الصلاة

القائمة البريدية

للتوصل بجديد الموقع وتفريغات الدروس والمحاضرات المرجو الاشتراك بإدخال بريدك الإلكتروني إشتراك

تابعنا على الفيسبوك

إحصاءات الموقع

متصل الآن:27

اليوم:152

الأمس:829

هذا الأسبوع:2439

هذا الشهر:8993

هذه السنة:94247

منذ البداية:393991